مقالات وبحوث
مكارم الشعر.. وكرم الشاعر
بقلم : علي المسعودي
الأخلاق هي ثروة الأمم الفكرية والحضارية التي تصنع كياناً بشريّاً تسوده قيم الخير والحق والعدالة، فالأمة التي تصاب في أخلاقها تعدّ أمة منكوبة:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتماً وعويلا
بل إن بقاء الأمم واستمرارها ورقيها رهن التزام أبنائها الأخلاق الكريمة وتمسكهم بها “فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا”
ولقد كان إتمام مكارم الأخلاق من أهم القيم التي بعث لأجلها النبي صلى الله عليه وسلم، القائل: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق).
من أجل ذلك، يجد المتتبع للشعر العربي قديمه وحديثه أن شاعراً لا يكاد يخلو شعره من حديث عن الأخلاق أو دعوة إلى مكارمها أو فخر بامتلاكها أو قصص لأسماها وأكثرها إبهاراً عند العرب، وهم الذين لم يتركوا التخلق بالشيم المحمودة والخصائل الفريدة حتى يوم كانوا على الكفر والضلال في عقيدتهم.
فهذا زهير بن أبي سُلمى، وهو من شعراء العصر الجاهلي يرسم لوحة جميلة للفخر بالأخلاق الكريمة:
فما يك من خـير أتوه فإنما
توارثه آباءُ آبائِهم قبـْلُ
وهل يُنبِت الخطّي إلا وشيجُهُ
وتُغرَس إلا في منابتها النخلُ؟
بينما رمز الكرم العربي حاتم الطائي يعطي توجيهاَ شعريا نحو الأخلا ق الكريمة وهو الذي قال عنه الأصمعي: كان حاتم جوادا كريما، وكان شعره يشبه جوده، وكان جوده يشبه شعره، قال الطائي:
فجاور كريماً واقتدح من زناده
وأسند إليه إن تطاول سُلّما
وهكذا جاءت أشعار المؤسس الشيخ جاسم انعكاسا حقيقيا لشخصيته فقد كان رحمه الله رجلاً متديناً نقياً، على جانب عظيم من التقوى ومخافة الله، شديد الخشية لله، عادلاً في أحكامه وأقضيته. كما كان صاحب عقيدة، بعيداً عن البدع والمحدثات،، محافظاً على الصلاة يتحين أوقاتها فيجلس من بعد صلاة الفجر في مصلاه يذكر الله تعالى ويسبحه حتى طلوع الشمس فيقوم فيصلي ركعتين وكان يؤم الناس في صلواتهم، ويخطب بهم الجمعة، وإذا خطب أذهل السامعين، وجلب قلوبهم إليه، وهو من أركان العربية وأنصارها، ويباشر بنفسه تعليم الناس، كما يباشر بنفسه القضاء والفصل في المنازعات بين مواطنيه. وقد ختم حياته وهو يردد كلمة التوحيد.
فهو رجل من أفذاذ الرجال الذين قلما يجود التاريخ بأمثالهم.
صبرنا لها ما زعزع الدهر عزمنا
ونلنا بها العليا على كل طايل
إن الهمة العالية هي سلاح القلب في كل موطن وفي كل موقف، يذود بها عن حماه ويخترق بها المصاعب والمشاق، ويتقدم بها الصفوف، ويعتلي بها أعلى الدرجات.. وترجمة لهذا المعنى قال:
قلبٍ يورِّدني ونفسٍ تسوقني
لموارد عزٍ حولهن اخطار
شطر مليء بالرجولة، والقوة والعزة، والكرامة، والشجاعة، والكرم، والبشرى..
شطر لا يكتبه إلا زعيم حقيقي..
واستكمالا للمعاني ذاتها، قوله:
فحِنّا حرارٍ في ليالي السيالي
هدّاتنا يفرح بها كل مغبون
والحديث عن المؤسس والاخلاقيات المبثوثة في شعره حديث طويل، وضعت جانبا منه في كتابي (للمعالي كايدة) الذي يصدر إن شاء الله بالتزامن مع احتفالات الوطن بالأيام الوطنية..